المؤسسة الجامعية في ظلّ غياب الفاعلية

بقلم: محفوظ عبد الرحمان صمباوي

إنّ الفاعليةَ جسرٌ لصناعة الفكر، ومحطةُ إنتاجٍ للإبداع، وهذا الموضوع يدعوك للتسائل؛ ما الذي يمنع المؤسسات الجامعية والمعاهد من أن تنظّم ندواتها على شكل "الحلقة"، بَدَلَ "المنصّة" التي لا تجسد سوى نُخبوية الخطاب المزعومة وتعالي المحاضرين على الحاضرين؟! ألم يحن الوقت الذي تتم فيه القطيعة مع الإلقاء الجامد الذي اعتبرته كثير من المناهج التعليمية ممارسة تتناقض بيداغوجيا مع الرهان التكويني للباحث والطالب الجامعي ؟!! و ما أهمية هذه المحاضرات التي تكون على شكل الخطبة؟ كما أنّ صورة المحاضر وراء الميكروفون وتسليط الضوء على شخصه المتميّز، جعلته منبوذا عند الجموع الطلابية لما فيه من ملل وسأم، وطريقة المحاضرة التقليدية هذه هي التي جعلت العديد من المدرّسين والطلبة على حد سواء يُقاطعون هذه الندوات بسبب نمطيتها المناقضة لروح العلم والإبداع والإنتاج والفاعلية، ويفضّلون الجلوس في مقاهي الجامعات لساعات طوال، أين يتواجد الإحساس بالمعية والتفاعلية.. لذلك هناك من قال بوجوب التخلص من " الأستاذية " التي حاربها سقراط وهو يجوب مجتمعه فاتحا للراغبين الحق في النقاش... لكن مع الأسف نحن لا نتفاعل مع بعضنا البعض ولا نتناقش إلا بعد انتهاء الندوات وحين نلتف حول موائد الطعام.. وأتساءل ما الغاية من كثرة أخذ الصور قبل وأثناء الوجبات الغذائية ومن الجهة الأكاديمية تجد شحّا شديدا في نشر وتبادل التقارير حول الندوات وتحليل أفكارها والإستفادة منها؟!

إنّ غياب الفاعلية في المؤسسات الجامعية هو العامل الأساسي الذي يقف وراء الجمود الفكري الذي تشهده الأجيال اليوم في جامعاتنا.

فأضحى الطالب والباحث الجامعي كالآلة الصمّاء (وأتمنى ألا أكون قد بالغت)، هذا لأننا لا نكاد نجد نقاشات ثرية وأفكارا وحلولا ناجعة لمشكلاتنا الحضارية والعلمية والاجتماعية والسياسية تتخلل محاضراتنا وفعالياتنا الفكرية التي تعتبر فضاءً للإبداع والتميّز والإنتاج الفكري الذي تحتاجه الجامعة لبناء كفاءات وإطارات ثقيلة الوزن قادرة على الترميم ومواصلة مرحلة التشييد، وعلى بث روح الفاعلية من جديد في كل صرح أو ثغر يقف عليه أحدهم.