من منّا وُلد متعلما ؟ من منا ولد وهو يدرك كل العلوم ويتقن كل الفنون ؟ لا أحد.. فالإنسان في هذه الحياة يجرب ليتعلم، قد يصيب أحيانا ويخطئ أحيانا أخرى ، لكنه ينصح ويستنصح ويتقبل النصح لكي يتحسن في عمله، إنتاجه، كتاباته، علمه، وقوله.. لكن هذا يعود طبعا إلى المنتقد.. من يكون أولا ؟ وما هي طريقة الإدلاء برأيه ثانيا ؟ ومدى تقبلك له ثالثا..
إنّ أشد ما يثار بين ثنايا العلوم والفنون هو ذلك النوع من البشر الذي يريد أن يغطي نقائصه بانتقاد الناس بطريقة غير لائقة، فلا أسلوب مناسب، ولا كلام في محله، تجدهم فقط يعتمدون على أسلوب التهجم لحب الظهور في ثوب المتفوق الذي لا تغيب عنه معلومة ويدرك ببصره كل الفنون وأخطائها السبعة، أو السبعين.. كل شخص منهم وحدة نقده ودرجة إدراكه للأمور التي لم تنتبه إليها، همهم الوحيد هو إشباع ذواتهم التي تبحث عن فرض الوجود ولم يتنسى لها ذلك.. وهذا النوع غير مرغوب فيه في مجال النقد وإبداء الرأي.
النقد له أهله وأسلوبه المناسبان، فإمّا أن تنتقد بطريقة تجعل الطرف الآخر يتقبل رأيك المحترم وإلا فلا داع لذلك، لأن الإنتقاد بطريقة تهجمية على الغير لا يعطيك أبدا الثناء والدرجة الفنية والعلمية العالية التي تريد إظهارها عبر نقدك، فالنقد يعتمد على كيفية القول ثم القول بحد ذاته، وكذا إبراز ما هو جيد في العمل أو المقال أو أي مجال تقوم بطرح رأيك فيه، بدل تطبيق مبدأ الإنتقاد من أجل الإنتقاد، و حتى لو لم تجد محاسنا في عمل ما فلتحترم مجهود الناس كأدنى شروط النقد البناء.. هذا لا يعني المجاملة وعدم قول الحقيقة، لكن الإحترام في طريقة التعبير، فهي أهم مما تقول، فإما أن تحترم مجهود الغير على الأقل، أو الصمت أرحم.. كما أن التخفي خلف عبارات من شاكلة '' لا تغضب، أنا أبديت رأيا فحسب '' ومشتقاتها لا تنقص من حدة نقدك الهدام، بل بالعكس، فهو يثبت ذلك.
النقد نوعان، بين البناء و المهدم ، فإذا لم يكن نقدك حجارةٌ نيّتك منها أن تبني المنتقَد، فلا تدعها تحطم من توجه له رأيك.
فأولا و أخيرا، لا أحد خرج لهذه الحياة وهو يتقن كل شيئ، فلا تكره الناس على رأيك بهجوم غادر، ولا تستحقر رأيك فلا تدلي به، بل من الكمال أن تكون وسيطا بين هذا وذاك.
إنّ معادلة النقد بسيطة؛ طرح الرأي باحترام يعطي تقبله، أما طرحه بتهجم فيؤدي إلى النفور منه. ولك حرية الإختيار والتدبر.
Comentários