ندوة الانتقال الديمقراطي: ضوء مسلّط على حيثيات الحالة الجزائرية

بـقـلـم: حمزة فؤاد مطيبع

إحتضنت، أمس السبت، أرضية جمعية البركة المستقرة بـبلدية "بئر خادم" في عاصمة الجزائر، ندوةً فكريةً معنونةً "الإنتقال الديمقراطي في الجزائر في ضوء التجارب العالمية"، قام بتحضيرها "مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعلمية" الواقع بـ "وادي السمّار"، وقد حضرها عديد الاساتذة والطلبة الذين أصغوا لمداخلات كل من الاستاذين في علم الاجتماع السياسي " نور الدين بكيس " و" عبد الناصر جابي "، وفي علم التاريخ " محمد الأمين بلغيث ". وشهدت هذه الفعالية متابعةً من قبل "عبد الرزاق مقري " رئيس "حركة مجتمع السلم" في عين المكان لبضع لحظات، وكذلك بث مباشر نقلته قناة "الجزيرة مباشر" لجزء من مداخلة "بلغيث".

عبد الرزاق مقري على اليسار

وقد تلخص أهم ما تطرقت إليه مشاركة " جابي "، الممتدة لـ 40 دقيقة من أصل 3 ساعات، في تأكيده على أنّنا "في طور إقامة مشروع أمة منذ عقود" وأنّ "التجانس الاجتماعي -إضافة لمقوّمات أخرى- المتوفر في بلادننا يساهم في التحوّل الديمقراطي السليم" ونبهّ من ضفّة أخرى على كون "الوطنية السياسية في أزمة" نظرا لـ"التيارات الشوفينية التي تميل لليمين المتطرف الأوروبي"، وأضاف أنّ "حركة الماك تكبح الاندماج الوطني الذي لا تتقبله، وتحاول هي وتيارات أخرى استفزاز العمق الأنثروبولوجي"، وتنبأ علاوة على هذا ب" مشاكلنا المستقبلية لن تكون مع منطقة القبائل إنما مع "التوارق"، و"بني مزاب" منطقة غرداية، وحلّ هذه المعضلات ليس بناءً على لحظة سياسية إنما على زمن ثقافي وتاريخي" وختم بقوله: "إنّ السلطات العمومية لا تملك ثقافة الحوار، وينبغي إقامة مؤسسات قوية وأحزاب كبيرة تضمّ كل أنواع الطيف السياسي بغية تحقيق التحاور، وهذا الحراك أنجع فرصة لذلك".

أما الاجتماعي "بكيس" فحدّثنا أنّ "مواطنتنا السيئة أساسها كوننا أسرى من قبل المنظومة لممارستها علينا استبدادا ناعما" وكذلك: "الجزائري يتظاهر بالجمعة لكنه يعود لداخل النظام سائر أيام الأسبوع، وتكون قراراته في حياته هي الخروج عن المنظومة القانونية" وشدّد على أنّ "مجتمعاتنا ليس بإمكانها العمل بالنوايا الحسنة، إنما يستلزم تنظيما صارما" ويضيف: "الفساد اليوم نحن بحاجة إليه، لكونه مندمجا بشدة في مجتمعنا، فقد صرنا مجبرين على الرشوة والسرقة وغيرها لإنقاذ الحياة" وهنا توضحت فكرته حول "وظيفية الفساد"، وقد أقرّ بكوننا في "أزمة شرعية كبيرة جدا، تتطلب إعادة تفاوض وإنتاج نخب جديدة (ويرى أنّ النخبة هي مجموعة الأشخاص الممتلكين لإمكانية التأثير)"، ولعلّ مقولته التي تنال أهمية عظمى في هذه الفترة هي :" أن يتحصل الشعب على كل السلطة أمر مستحيل، سينال جزءا منها، غير أن ذلك الجزء يكفيه ليبني به ديناميكية مؤسساتية"

وانتهى إلى أنّ الحلّ الأنجع هو "سياسي" ويأتي من "السلطة القائمة -لأنها الوحيدة التي تمتلك الآليات للتغيير- عبر ثورة وتنمية اقتصادية، عكس ما يروّج له من ثورة أخلاقية أو ثقافية ( بتبسيط ينظر "بكيس" إلى أنّ الإصلاح ينتشر من الفوق لا من القاعدة)".

لأن عند تكريس قيمة العمل وضرورته، يتحوّل الناس إيجابيا وتمسي لديهم رقابة ذاتية.

نور الدين بكيس الذي يتوسطهما

ونهاية ذكر المؤرخ "بلغيث" في خطابه التاريخي أنّ "التغيّر الديمقراطي الذي عرفته إسبانيا يشبه إلى حد بعيد الذي تعايشه الجزائري" لذا فهو "متفائل" بنجاحه. ويضيف مؤكدا على كون "التحول الديمقراطي يعتمد تماما على قناعة المؤسسة العسكرية به" وأنّ "حراكنا مخترق". وقد استحضر، بالتفصيل، نماذجا أخرى منها التجربة السودانية مع "سوار الذهب"، والأرجنتينية وغيرها.

ويُذكر أن ولاية بورج بوعريريج تبنّت محاضرةً مشابهة بعنوان "المثقف والحراك". فهل لهذه الندوات وزن شعبوي، أم هو نخبوي وحسب؟