من القابلية للإستعمار إلى القابلية للإستحمار

بقلم: حسام بن سكايم

في كل مرة أتحدث عن المفكر مالك بن نبي إلا ووصفته بالمتجاوز، فهو بفكره يتجاوز عصره ويتجاوز مكانه كما يتجاوز الظرف الذي كتب فيه، وهذه عظمة فكر مالك، فما يقدمه يتعدى الخاص والجزئي والمحلي، ويصل إلى الأفكار العامة المتعلقة بالمشكلات الحضارية للعالم الإسلامي، لأن مشكلة كل شعب في جوهرها هي مشكلة حضارية.

ومن أهم المشكلات التي أشار إليها في كتابه "شروط النهضة" هي مشكلة "القابلية للإستعمار" فعند تصفحك هذا الكتاب سيشعرك أنه يتحدث عن زماننا هذا لا عن زمانه هو في القرن الماضي.

كنت قد قرأت هذا الكتاب قبل سنة، وأعدت قراءة فصل "معامل القابلية للاستعمار" في الأيام الأخيرة خصوصا وأنها ارتبطت بالانتخابات الرئاسية الجزائرية والعودة للحديث عن عهدة جديدة لبوتفليقة وما ترتب عنها من نقاشات بيزنطية بين معارضة وموالاة، هذه النقاشات ذكرتني بما قاله بن نبي عن "القابلية للاستعمار" لذا عدت لقرائتها وإسقاطها على الوضع الحالي للجزائر، قصد مالك بكلامه الإنسان العربي ومدى تقبله للاستعمار الخارجي، ونفس الكلام ينطبق على الموالاة ومدى تقبلها للذل والهوان والعبودية، الموالاة هنا ليست الأحزاب السياسية والوزراء بل موالاة بثوب ديني تحاول أن تقنع الشعب أن التغيير هو خروج عن طاعة الحاكم، وأي ومحاولة للتغيير ستضعك في خانة "الخوارج" وأنك تريد شرا للبلاد والعباد مستشهدين بأحاديث تحرم الخروج عن سلطته، راضين بحكم رجل مريض لم نسمع صوته لسنوات. 

العلة الواجب مواجهتها ليست الموالاة السياسية فتلك نعرف أهدافها ومخططاتها، بل وجب مواجهة الموالاة التي تحمل إسم الدين، فلا أمل في التغيير والحرية ما دامت هذه الفئة تغسل أدمغة الشعب أو بالأحرى "القطيع" فالنظام يتصرف في طاقتها الاجتماعية لأنه درس أوضاعها النفسية، وأدرك منها مواطن الضعف، فسخرها لما يريد كصواريخ موجهة يصيب بها من يشاء، جاعلا منها أبواقا يتحدث فيها، وأقلاما يكتب بها.

إذن فالقابلية للاستعمار ليست للاستعمار العسكري فقط، بل كل قابلية للعبودية والذل سواء من رئيس دولة، أو مسؤول، أو أي شخص ذو مكانة.

وبالتالي إذا أردنا أن نغير النظام علينا أن نغير قبل ذلك ذهنية الناس المستعدة لخدمة هذا النظام من حيث تشعر أو لا تشعر، فكل مرة نستعد للتغيير إلا ووجدناها عائقا في طريقنا.