بين عشية وضحاها انفجرت القارورة على الساقي؛ فقد أبدى العديد من النشطاء سخطهم الفائض تجاه ما يمكن أن يوسم بـ"الرسكلة المتعفنة"، وحسب تقديري فإن ثوران حفيظتهم تجاه هذه الأخيرة فاق بأشواط رفضهم للعهدة الخامسة والتمديد، وقد ينكسر الحراك نظرا لهذا التوجه المندفع نحو التصعيد.. واللّوم لا يكون ضخما على "المتحرّكين"، لأنّ ذهنيتنا مختوم عليها -عموما- بقصور النظر، لكن يُحسب عليهم تدافعهم نحو سياسة "رفض كل شيء"، فإذا كانوا يريدون رحيل الجميع فمن ذا الذي يعيّن البدائل؟ إنّه لا يمكن بتاتا إعادة بناء الوطن من الصفر.. أمّا من يدّعي أنّ التغيير الحكومي فاسد مفسد كلية، فقد خاب ظنّه، لانعدام الدلائل، ولأن هذه هي الحكومة التكنوقراطية التي نوشد بها، ولأنها من نتائج تصعيد المتظاهرين كذلك، نظرا لانتشار الرعب في نفوس الكثير من الشخصيات، التي كان من الممكن أن تحظى بإجماع شعبي، لولا تخوفها من رفض الحراك لها، وفق السياسة غير الرشيدة التي انتهجوها.. والحل في تصوري يكمن في تفويض مدروس جيدا لشخصيات أو أحزاب معارِضة حقيقية، لإلمامها بقواعد اللعبة السياسية، وامتلاكها ما يكفي من الميكانيزمات، وثبوت الشاهد التاريخي على صمودها في وجه السلطة القائمة، مع الويلات التي عانتها.. والنموذج التونسي خير مثال على هذا، وهو الوحيد الناجح عربيا في التحول الديمقراطي.. أو بإمكاننا الإبقاء على هذه العفوية وعلى المطالب الفوق واقعية، وانتظار رحمة سماوية.. فكما كتب أحدهم: "إن لم تختاروا، سيُختار لكم"
من العبارات المتداولة "لا تستطيع بناء سفينة جديدة بحطب قديم"، عبر تحليل بسيط نصل إلى أن أعضاء السفينة لا يمكن أن يميّزوا الخشب الجديد، لإيلافهم (إعتيادهم) بالقديم، فما بالك أن يوظفوه وهو الذي سيكبّدهم خسائرا مادية.. ومنه، على الغرباء عن السفينة أن يبيّنوا لهم الخشب الجديد، مع إكراههم –بصفة طفيفة- عليه، فقد ينقلب السحر على الساحر.. والحطب الحديث قد يَستغلّ بعضا من العتيق، وهذا لا حرج فيه..
Comments